باركته إيران ورفضه الشارع.. ما فرص نجاح “علاوي” على رأس حكومة العراق؟

الرئيس العراقي كلف محمد توفيق علاوي بعد توافق الكتل الشيعية عليه

بعد مخاض طويل شهد جدلاً واستقطاباً حاداً في الساحة العراقية التي تعيش على وقع احتجاجات شعبية غير مسبوقة، كلف الرئيس برهم صالح السياسي محمد توفيق علاوي، بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

ولم يكن تكليف “علاوي” بالأمر السهل على الرئيس العراقي، الذي كان قد وضع سقفاً زمنياً للكتل السياسية للتوافق على اسم مرشح لرئاسة الوزراء يحظى بقبول الشارع المنتفض ضد الطبقة السياسية الحاكمة، ويرفض تكليف أي من رموزها لتصدر المشهد السياسي في البلاد.

وبعد أقل من 24 ساعة على تكليف رئيس الحكومة الجديد، سارعت كتل سياسية بارزة للتبرؤ من ترشيح “علاوي” لخلافة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، فيما تشبثت ساحات الاعتصام في مختلف المحافظات برفض أي شخصية تولت منصباً وزارياً، وهو ما يدفعها لرفض المرشح المكلف لكونه تولى سابقاً منصب وزارة الاتصالات في الحكومات الأخيرة.

وأسال تكليف الرئيس العراقي لمحمد توفيق علاوي، الذي ينظر إليه على أنه “سياسي مستقل علماني”، الكثير من الحبر، وأثار تساؤلات في مختلف الاتجاهات حول سرعة التكليف، والأسباب التي دفعت كتلاً سياسية لرفع يدها عنه، علاوة على ما يتم تداوله إعلامياً حول “خديعة تم الترتيب لها” في إيران وتم تنفيذها في العراق لتمرير ترشيح علاوي.

تكليف علاوي

وبعد مسلسل طويل من الأسماء التي طرحت إعلامياً ورفضت شعبياً، فاجأ “علاوي” الأوساط العراقية كافة بإعلان تكليفه لرئاسة الحكومة الجديدة من خلال مقطع فيديو بثه عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

وطالب الوزير السابق العراقيين بمواصلة التظاهر في الساحات حتى تحقيق جميع مطالبهم، ودعاهم أيضاً للوقوف إلى جانبه من أجل تنفيذها على أرض الواقع.

وفي محاولة لكسب قبول الشارع تعهد رئيس الوزراء المكلف بـ”محاسبة القتلة، وتعويض أسر الشهداء”، في إشارة منه إلى عدد الضحايا (أكثر من 600 بحسب منظمات حقوقية محلية ودولية)، الذين سقطوا جراء قمع القوات الأمنية ومليشيات مسلحة محسوبة على إيران للحراك الشعبي وقياداته، منذ مطلع أكتوبر 2019.

كما تعهد بمحاربة الفساد وتحديد موعد للانتخابات البرلمانية المبكرة، وهو مطلب مهم يرفعه الشارع في وجه الساسة بعد استقالة حكومة عبد المهدي، مطلع ديسمبر الماضي، وأكده المرجع الشيعي علي السيستاني في أكثر من مناسبة.

وشدد على أنه سيتنازل عن تكليفه برئاسة الحكومة في حال “تعرّض لأي ضغوط من القوى السياسية في عملية تشكيل الحكومة المقبلة.

كتل تتبرأ وشارع يقول “لا”

وعلى غرار ما حدث مع من سبقوه، خرجت مظاهرات ومسيرات حاشدة في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى (2 فبراير)، رفضاً لخطوة الرئيس العراقي، وتأكيداً لضرورة اختيار شخصية بعيدة كلياً عن الطبقة السياسية الحالية.

وشارك طلبة مدارس وجامعات في محافظات وسط البلاد وجنوبها، كما أغلق محتجون عدداً من الجسور والطرق الرئيسة في محافظات ذي قار والبصرة والديوانية والنجف، وأحرقوا الإطارات، وأكدوا مطالبهم بالإصلاح السياسي الشامل، واختيار حكومة مستقلة.

وأمام تلك التطورات نأت كتل سياسية بارزة بنفسها عن تكليف علاوي، ومنها ائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي، وائتلاف “الوطنية” بزعامة إياد علاوي، ودولة القانون بزعامة نوري المالكي.

في الجهة المقابلة أيّد تحالف الفتح، الذي ينظر إليه على أنه الجناح السياسي لفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران، تكليف محمد علاوي، كما بارك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر هذا التكليف، واعتبره “إنجازاً تاريخياً” على حد قوله.

ويتعين على رئيس الوزراء المكلف تأليف تشكيلته الوزارية في غضون 30 يوماً، في وقت دعت فيه الأمم المتحدة إلى ضرورة العمل سريعاً من أجل تحقيق الإصلاحات المطلوبة وتلبية مطالب المتظاهرين، فيما قالت السفارة الأمريكية في بغداد إن الظروف الحالية تتطلب حكومة مستقلة ونزيهة، في حين رحبت إيران باختيار علاوي عبر المتحدث باسم وزارة خارجيتها.

على خُطا عبد المهدي

يقول الصحفي العراقي عمر الجنابي، إن الكتل السياسية لم تسارع للتبرؤ من اختيار رئيس الوزراء الجديد؛ وإنما هو أسلوب تعتمده مثلما حدث مع عادل عبد المهدي عندما تم التوافق عليه بين كتلتي “سائرون” و”الفتح”، وهو ما تكرر في حالة محمد توفيق علاوي.

وبيّن “الجنابي” في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن الكتل السياسية تنتهج تلك الاستراتيجية حتى “لا تقع عليها لائمة فشل رئيس الوزراء المكلف”، مؤكداً أن هذا ينطبق على جميع الكتل الشيعية المخولة وحدها باختيار رئيس الحكومة، بعد عام 2003.

وشدد على أن ما حدث ليس تبرؤاً؛ بل تقول تلك الكتل إنه تم التوافق عليه سياسياً، و”هو من خارج السياقات الدستورية”، التي تؤكد أن رئيس الوزراء يكلف من قبل الكتلة الكبرى، موضحاً أن المحكمة الاتحادية فسرت هذا النص عام 2010 بأنها الكتلة الكبرى داخل البرلمان المكونة من عدة تحالفات أو كتلة واحدة.

وحول فرص نجاح علاوي بمهمته على رأس الحكومة الجديدة أوضح الصحفي المتخصص في الشؤون الداخلية أن حكومته “مؤقتة” تمهد لانتخابات مبكرة، ولأجل تلبية ما يُمكن تلبيته من مطالب الشعب، ومتابعة القوانين وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة، مبيناً أن نسبة نجاحها “ضئيلة للغاية”، شأنها شأن الحكومات السابقة.

وأشار إلى أن هناك فرقاً مع حكومة علاوي من خلال وجود مظاهرات عراقية مستمرة، لافتاً إلى أن الجهات السياسية التي كلفته دخلت في دائرة الصخب الجماهيري، وخصوصاً التيار الصدري، الذي كان في فترة من الفترات مع الحراك الشعبي، قبل الانفكاك عنه.

واستطرد بأن الحكومة المقبلة “لا يُمكن أن تحقق أي طفرة فعلية”، وعمرها الافتراضي 9 أشهر، وقد يتم التمديد لها، وهو ما سيواجه بضغط جماهيري وقد تسقط منذ أسابيعها الأولى، ويتم وأدها قبل ولادتها، محذراً إياها من مواجهة المتظاهرين بالقمع.

وحول مباركة إيران لتكليف علاوي، قال إن طهران تبارك أي شخص ترشحه الكتل السياسية القريبة منها، ومن ثم فأي شخص مرشح هو تلقائياً تابع لإيران أو مقرب منها، مستشهداً بما تقوله تلك الكتل حول إخراج القوات الأمريكية من البلاد، بشكل مطابق لما يقوله المسؤولون الإيرانيون.

وأكد لـ”الخليج أونلاين” أن المرشحين السابقين لرئاسة الحكومة لم يحصل توافق عليهم بين الصدر و”الفتح”، أو لم يوقعوا على ما يريده الطرفان، كاشفاً أن الكتلتين تدعمان علاوي منذ شهر، ولم يدرج في الأسماء المرشحة بقوة حتى لا يتم إسقاطه في ساحات التظاهر.

ويرى الصحفي العراقي رئيس الحكومة المكلف بأنه شخصية “ضعيفة”، و”مطيعة”، و”يوافق على أي شيء يُعرض عليه”.

ويؤكد “الجنابي” أن برهم صالح لم يكن معارضاً لترشيح أي مرشح، خلافاً لما أشيع في وسائل الإعلام، مستحضراً ما قاله بأنه ينتظر توافق الكتل الشيعية حول اسم معين، وهو ما حدث حول علاوي؛ حيث كلفه مباشرة.

ويصف الصحفي العراقي برهم صالح بأنه شخصية “انتهازية”، و”جاء من خلال صفقة أشرفت عليها إيران لتقديمه لرئاسة الجمهورية بعدما تخلى عن أمانة حزب أسسه”، و”ليس كما أشيع بأنه مع مطالب الشعب”.

ماذا حدث في “قم”؟

وفي إطار  التكليف السريع لعلاوي من أجل خلافة عبد المهدي، فجّر النائب العراقي بأن الأول جاء بتوافق القوى السياسية بعد “توزيع المناصب والحقائب الوزارية فيما بينها”.

جاء هذا في وقت احتفت فيه الصحافة الإيرانية بتكليف علاوي، معتبرة أنه نجاح لاتفاق سياسي بين كتلة “سائرون” التي يترأسها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، مع كتلة “الفتح” التي يقودها زعيم تنظيم بدر وأحد قادة الحشد الشعبي، هادي العامري.

وبحسب ما أوردته قناة “الحرة” الأمريكية فإن تكليف علاوي جاء بعد “فترة قصيرة من اجتماع ضم قادة المليشيات العراقية الموالية لإيران مع قادة النظام الإيراني في “قم”، هدفه إعادة التشكل من جديد لمواجهة المتظاهرين العراقيين بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بغارة جوية أمريكية، مطلع يناير المنقضي.

من هو “علاوي”؟

ومحمد توفيق علاوي من مواليد العاصمة بغداد عام 1954، ويحمل شهادة البكالوريس في الهندسة المعمارية من الجامعة الأمريكية في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1980.

كان توجهه إسلامياً وقريباً من رجل الدين الشيعي محمد باقر الصدر، أحد مؤسسي حزب “الدعوة”، وانتمى إليه فترة وجيزة، ثم تركه عندما اختلف مع الصدر، ليتبنى لاحقاً مفهوم الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة.

وعقب إسقاط نظام صدام، في 2003، دخل المعترك السياسي ضمن قائمة إياد علاوي، وهو شيعي علماني، وبقي معها بمسمياتها المختلفة؛ “القائمة العراقية”، و”القائمة الوطنية” و”ائتلاف الوطنية”.

انتُخب عضواً في البرلمان عام 2006، ثم عُين وزيراً للاتصالات منتصف العام ذاته، قبل أن يستقيل نهاية 2007، ثم انتُخب ثانية عضواً في البرلمان إثر وفاة نائبة عام 2008، وحتى انتخابات 2010.

وللدورة الثانية على التوالي انتُخب عضواً في البرلمان عام 2010، ثم عُين مجدداً وزيراً للاتصالات نهاية ذلك العام، لكنه استقال مرة أخرى نهاية 2012.

وفي المرتين قدم علاوي، الذي يحمل الجنسية البريطانية، استقالته من الوزارة احتجاجاً على “التدخل السياسي لرئيس الحكومة آنذاك، نوري المالكي، في شؤون وزراته”، على حد قوله، كاشفاً أنه نتيجة لخلافاته مع رئيس الوزراء تم تشكيل لجان تحقيق عديدة بشأنه، وأصدر القضاء -في وقت لاحق- حكماً بسجنه لمدة 7 سنوات بتهمة هدر المال العام، قبل أن تسقط جميع الأحكام الصادرة بحقه لعدم صحتها.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/36LytZC
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل