بعد فضيحة فيسبوك.. هل تسحب تكنولوجيا الصين وروسيا البساط من وادي السيليكون؟

مصطفى مصيلحي

المصدر : موقع ساسة بوست

لا أحد كان يتخيل أن يكون هناك تهديدٌ حقيقي لعمالقة التكنولوجيا أمثال فيسبوك وجوجل وأمازون في وادي السليكون، تهديد خطير لدرجة أنّه يمكن أن يزيح هذه الشركات الكبرى عن عرش التكنولوجيا والابتكار في أنحاء العالم، فقد كان هناك تصوّر عامّ بأنّ من الصعوبة البالغة أن تأتي شركات ناشئة تستطيع منافسة عملاق بحجم فيسبوك أو جوجل أو أمازون بعد كل هذه النجاحات والقيمة السوقية التي حققتها؛ لأن هذه الشركة الناشئة ستجد تحديًا شبه مستحيل بإقناع المستخدمين الأوفياء الحاليين لهذه الشركات بالانتقال إليها باعتبارها خطوة أولى في طريق المنافسة.

لكن تمامًا مثل الكوارث الكبرى في الطبيعة، تقضي على سلالة كائنات بأكملها كانت مسيطرة على بيئتها يومًا ما؛ جاءت كارثة بحجم «كامبريدج أناليتيكا» لتتسبّب في خسائر فادحة لفيسبوك وبقية منصات التواصل الاجتماعي وتكبدهم خسائر فادحة؛ لتُذكّر الجميع بأن ثمّة فرصة حقيقية لأن يصعد إلى السطح عملاق، أو عمالقة جدد في عالم التقنيّة. في هذا التقرير نستطلع تعامل حكومات روسيا والصين مع عمالقة التكنولوجيا، وكيف سمح التضييق على هذه الشركات الأمريكيّة في خلق بدائل محليّة تنافس بقوّة وتهدّد احتكار وادي السيليكون على قطاع التكنولوجيا في العالم.

الصين: أموالنا لن تتدفق إلى الغرب

لا تمتلك الصين سمعة جيدّة فيما يتعلق بسياسات السوق الحرة كما في الولايات المتحدة وأوروبا؛ ولهذا ستجد أن معظم الأخبار الخاصة بالصين في مجال التكنولوجيا متعلقة بالتضييق الذي تمارسه الحكومة في بكين، من حجب للمواقع وسيطرة كاملة على بيانات المستخدمين داخل الأراضي الصينية؛ وهو الأمر الذي أدّى لحرمان المواطن الصيني من خدمات تقنيّة غاية في الأهمية، مثل جوجل ويوتيوب، وفيسبوك وغيرها من الشركات الغربية. هذه هي النظرة الغربية للأمور، والتي هي السائدة في العالم بحكم شهرة وسائل الإعلام الغربية والأمريكية عالميًا.

على الجانب لآخر، ترى الصين أن خطّة السوق الحرّة والمنافسة المفتوحة في مجال التكنولوجيا بالخصوص، لن تخدم سوى الشركات الأمريكية التي أصبحت تتحكم في كل شيء، من إرشادنا إلى أفضل مطعم في الجوار، إلى التأثير على اختيار المرشّحين الرئاسيّين وتمرير سياسات اقتصادية أو اجتماعية بذاتها. ولبيان هذه الفكرة، ومدى جديتها من الناحية الاقتصادية، سيكون علينا الإشارة إلى الأرباح التي تحقّقها الشركات الأمريكية. على سبيل المثال حقّق فيسبوك صافي ربحقدّر بأربعة مليارات دولار في الربع الثالث من عام 2017 فقط، ويأتي القسم الأكبر من هذا الربح عن طريق الإعلانات الممولة التي يتم دفعها لفيسبوك من عملاء يبلغ عددهم 2.2 مليار مستخدم نشط في نهاية عام 2017.

خروج جوجل من الصين.. الرؤية الصينية

نصيب الولايات المتحدة من عدد مستخدمي جوجل، هو 307 مليون مستخدم فقط، بينما الغالبية العظمى من مستخدمي فيسبوك يأتون من آسيا وبقية دول العالم. هذا يعني بوضوح الانتقال السهمي للأموال من الشرق إلى الغرب، وهي حقيقة تجعلنا نعيد النظر فيما تروّج له وسائل الإعلام الغربية حيال الخُطط التي انتهجتها دول مثل الصين لمقاومة هذا الغزو التقنيّ الغربيّ. فعندما قاومت بكين تمدّد جوجل وفيسبوك فإنها قد سمحت بتطوير منصات محليّة بديلة أصبحت قوة استثمارية كبرى تحافظ على دورة المال داخل الأراضي الصينية، بينما من المتوقع أن تكون عامل جذب للأموال عندما تخرج هذه المنصات البديلة لأسواق خارجية في آسيا قريبًا.

خرجت جوجل من السوق الصينية عام 2010، لتترك خلفها سوقًا ضخمًا يحتوي عددًا من المستخدمين يشكل ضعف عدد مستخدمي الإنترنت النشطين في الولايات المتحدة الأمريكية كلها. خرجت جوجل من الصين لأسباب تتعلق بتحرشات تعرضت لها الشركة من الحكومة الصينية، واكتشفت الشركة مجموعة من الهجمات الإلكترونية من داخل الصين، وقد استهدفت هذه الهجمات جوجل مع مجموعة من الشركات الأخرى التي تعمل داخل الصين، وعقب اكتشاف هذه الاختراقات، بدأت جوجل في إجراء تحقيقات للوصول إلى الفاعل الحقيقي خلفها، وبينما تجري هذه التحقيقات توصلت جوجل إلى دلائل تشير إلى اختراق الحسابات الشخصية لمجموعة من النشطاء على منصة البريد الإلكتروني «جيميل» (Gmail) التابعة لها.

أدى هذا الخروج للشركات العالمية من السوق الصينية إلى بزوغ بدائل محلية تقترب في جودتها، التي تتطور باستمرار، من جودة المنصات الغربية، فأصبحت منصة «بايدو» النسخة الصينية من جوجل، بينما «Sina Weibo» النسخة الصينية من تويتر، وحلت منصات مثل «WeChat» و«QQ» محل برامج المحادثات الشهيرة مثل واتساب وماسنجر وغيرها من التطبيقات المنافسة، وأصبحت شركة «AliBaba» هي أمازون الصين.

روسيا على خطى الصين

هناك حربٌ تواجهها شركات التقنية الأمريكيّة التي تستهدف السوق الروسية المحتوية على 143 مليون مستخدم، إذ هدّد الكرملين منذ عدة سنوات بإغلاق أي شركة تقوم بتخزين بيانات عملائها من المواطنين الروس على خوادم (servers) غير روسية. وحجبت موسكو تطبيق لينكدإن بالفعل عام 2016، بينما مؤخرًا هددت الحكومة المسئولين الروس بالإقالة حال استخدامهم تطبيق واتساب، وقامت بحجب مجموعة من المواقع الإباحية، وهددت بتفجير «طائرات فيس بوك» (Facebook drones) التي كانت ضمن مشروع نشر الإنترنت في عدة دول. يمكن اعتبار هذه الإجراءات محض رغبات ديكتاتورية في السيطرة، وهو التفسير الأسهل، ويمكن أيضًا تفسير هذه القرارات من منظور اقتصادي وسياسي آخر.

تزداد بمعدل كبير الأحداث التي تدفعنا لإعادة النظر في سيطرة خمس شركات أمريكية على مجال التكنولوجيا في العالم، جوجل وفيس بوك ومايكروسوفت وأمازون وآبل. فقبل حادثة استغلال شركة «كامبريدج أناليتيكا» لبيانات 50 مليون مستخدم، كانت هناك قضية استغلال الحكومة الروسية لمنصات مثل فيسبوك لتوجيه الرأي العام الأمريكي لاختيار مرشح رئاسي تريده موسكو، ويحقق مصالحها. هذه القضايا لا يمكن التعامل معها إلا بطريقة جدية لا تخلو من مناقشات تأخّرت كثيرًا في مجال أصبح يسيطر على معلومات مواطنين الدول أكثر مما تفعل حكومات هذه الدول.

عندما أثيرت المناقشات حول تدخّل الحكومات المحلية في طريقة تعامل هذه الشركات التقنيّة مع المعلومات التي تمتلكها، أصرت جوجل أنها لن تسمح لأي حكومة بالتحكم فيما يظهر للمستخدمين من نتائج. يقول بيتر فليشر، مستشار الشركة للخصوصية العالمية: «نحن نؤمن أنه لا يجب أن تكون هناك صلاحيات لدولة معينة بالتحكم في المحتوى الذي يظهر لشخص في دولة أخرى» وهو الخط العالم لكل هذه الشركات التي دائمًا ما تتحدث عن حفظ خصوصية مستخدميها رغم كل الأحداث التي سبق ذكرها.

هل سيطرة جوجل ورفيقاتها على بياناتنا بهذه الدرجة من الخطورة؟

ما لم يذكره مستشار جوجل هو أن لهذه القاعدة استثناء وحيدًا، وهو الحكومة الأمريكية بالطبع، حيث يخضع المؤشر العالمي (global index) الخاص بالشركة لقانون حقوق النشر في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي يمنح الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة الحق في إملاء حقوق النشر لبقية دول العالم، أضف لذلك طرق أخرى للتحكم واستغلال البيانات بطرق تمارسها حصريًا الحكومة الأمريكية بحكم السيادة القانونية.

إن حقيقة قابلية هذه الشركات للسيطرة عليها من قبل الحكومة الأمريكية هو أمر لا يمكن الاطمئنان إليه، خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بدولة تجمعها بالولايات المتحدة علاقة متوترة مثل روسيا، أو منافسة مثل جمهورية الصين الشعبية. فهذه الشركات التي امتلكت من التكنولوجيا ما لم يتحقق في تاريخ البشرية، قد امتلكت القدرة على التحكم في المجتمعات بطرق لم تكن لأي شخص أو مؤسسة أو حكومة محلية في التاريخ، هذه حقائق تأخرت مناقشتها كثيرًا.

كل هذه الأسباب، وربما أسباب أخرى، دفعت روسيا للتحكم في سوقها التكنولوجية المحلية بهذه الطرق التي لا تلقى ترحيبًا في أي مكان آخر، وفي المقابل قد سمحت هذه القرارات للشركات المحلية بالتطور سريعًا، مثل مثيلاتها في الصين، لتكون قادرة على منافسة العمالقة ولو على مستوى السوق المحلية فقط إلى الآن.
تمتلك روسيا الآن منصة «VKontakte» التي أنشأها الشاب بافل دوروف (Pavel Durov) الذي كان يبلغ من العمر 21 عامًا فقط، وهو الذي يُلقب بـ«زوكربيرج» روسيا. منصة « VKontakte» هي بديل فيسبوك في روسيا بعدد مستخدمين يفوق 370 مليون مستخدم، وقيمة سوقية تبلغ 3 مليار دولار.

كذلك تمتلك روسيا محرك البحث «Yandex» بديلًا لجوجل، والذي يقدم خدمات أخرى مثل «Yandex Taxi» وهي خدمة نقل تشاركي تشبه خدمة أوبر، كما تقدم الشركة خدمات نقل الأموال، وخدمات التخزين السحابي على غرار «Google Drive» أيضًا. توجد أيضًا مجموعة «Kaspersky Labs» التي تقدم خدمات الأمن الإلكتروني بطيف واسع من التطبيقات في أكثر من 200 دولة في العالم، وكذلك شركة «Mail.ru» التي تقدم خدمات البريد الإلكتروني.

التنين الصيني يغزو العالم.. من بوابة الهند

تنظر الصين الآن إلى الهند على أنها الفرصة الأهم لإشهار قوّتها في العالم بعد أن حققت نجاحات كبيرة محليًا، فالهند التي يعيش على أرضها قرابة 1.25 مليار شخص يمكن أن تكون أفضل بقعة يمكن للتنين الصيني الانطلاق منها إلى العالمية، ومنافسة عمالقة أمريكا على كعكة التكنولوجيا. تعلم الشركات الصينية كذلك أن احتلال السوق الهندية لن يكون بالأمر السهل، خصوصًا مع رغبة الشركات الأمريكية في تعويض خسارتها للسوق الصينية بسوق ضخمة أخرى وهي الهند.

وتعتبر السوق الهندية المحلية أرضًا خصبة لشركات التكنولوجيا، إذ تفتقر الهند لمعظم الخدمات التكنولوجية الحديثة التي أصبحت متوافرة بالفعل في معظم أنحاء العالم، فعدد الهواتف الذكية آخذ في الارتفاع بشكل كبير في السنوات الأخيرة ليصل إلى 168 مليون هاتف عام 2015، مع عدد مستخدمين لخدمات الإنترنت يتجاوز 277 مليون مستخدم في نفس العام، وعدد مرات بحث على الإنترنت خلال الهاتف النقال يفوق أي دولة في العالم بخلاف الولايات المتحدة.

في بداية العام الحالي، قام ثلاثة من عمالقة التكنولوجيا الصينية بضخ استثماراتها في السوق الهندية، وهي شركات «Baidu» و«Alibaba» و«Tencent»، إذ شرعوا في بناء خطط لإمداد الشركات المحلية الناشئة بتكنولوجيا متقدمة. تعتمد الشركات الصينية خطّة أساسية تتعلق بالاستحواذ على الشركات الناشئة أو ضمّها إلى شركات محلية أكبر، تمتلك الشركات الصينية حصصًا كبيرة من قيمتها السوقية. حدث ذلك مع شركة النقل التشاركي «TaxiForSure» التي تشبه أوبر، والتي تم الاستحواذ عليها من شركة «Ola» المحلية التي تدعمها شركة «Tencent» الصينية.

إلى من تؤول الكنوز الهندية؟

المؤشرات التي تدلّل على أهمية السوق الهندية بالنسبة للشركات الصينية لا يمكن إنكارها، منها كذلك حجم الاستثمارات التي ضختها الشركات الصينية في الشركات الناشئة الهندية مع نهاية عام 2017، والتي بلغت 2.37 مليار دولار. في مايو (أيار) 2017 استحوذت شركتا «SoftBank» و«Alibaba» على الجزء الأكبر من أسهم شركة «Paytm» المتخصصة في الدفع الإلكتروني، بعد أن استثمرت فيها شركات يابانية مبالغ تصل إلى 1.4 مليار دولار.
وتعتمد الشركات الصينية سياسة «الفائز يحوز كل شيء» التي تعني دفع مبالغ كبيرة للاستحواذ على الشركات الناشئة في مقابل عائد استثماري كبير في المستقبل، وضمان السيطرة على سوق تنافس فيه الشركات الغربية بنفس القدرات المالية وربما أكبر.

لا شك أن الشركات الصينية، ومثيلاتها الروسية حال انتقالها للمنافسة في الأسواق الخارجية، ستكون بحاجة للكثير من الوقت والجهد للتغلب على عمالقة التكنولوجيا الغربية في بقاع العالم، لكن في نفس الوقت، فإن أحداث مثل «كامبريدج أناليتيكا» والتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة باستغلال منصة فيسبوك سيكون من لها دور كبير في نجاح العمالقة الجدد في إزاحة العمالقة الحاليين عن الساحة العالمية.

 



from اخبار دولية – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2IV8vqT
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل