الوجه الآخر للضربة الثلاثيّة على سوريا: بين الدولارات والإنجازات!

بعدما كانت رئيسة الوزراء البريطانيّة تيريزا ماي قد أسهبت في شرح الأسباب الإنسانيّة التي دفعتها إلى اتّخاذ قرار المشاركة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة وفرنسا في توجيه الضربات الجوّيّة ضدَّ سوريا فجر السبت الفائت، مركِّزةً على أنّ الهدف من وراء تلك الضربات تمثَّل في السعي إلى “تقويض” قدرة نظام الرئيس بشّار الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائيّة في بلاده، بما يوفِّر شروط المحافظة على أرواح المدنيّين الأبرياء هناك، بادر زعيم حزب العمّال المعارِض جيريمي كوربين إلى التوجُّه إليها بسؤالٍ عن المبرِّرات التي دفعتها إلى اختيار سوريا وليس السعوديّة، وذلك في إشارةٍ إلى الدور العسكريّ الذي تلعبه المملكة على رأس قوّات التحالف العربيّ في حرب اليمن، وما نجم عن هذه الحرب من أزماتٍ إنسانيّةٍ قاسيةٍ طالت مختلف مرافق الحياة الاجتماعيّة والمعيشيّة والصحّيّة، وهو السؤال الذي سرعان ما أدّى إلى تعريض سيّدة “عشرة – داونينغ ستريت” لنوعٍ من الإحراج أمام أعضاء مجلس العموم خلال انعقاد جلستهم الطارئة نهار أمس الاثنين، ولا سيّما أنّ صور حركة الاحتجاجات التي شهدها الشارع البريطانيّ على خلفيّة إبرام صفقة التسلُّح الأخيرة مع الرياض أثناء زيارة وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان الشهر الماضي للندن لا تزال حاضرةً في الأذهان، ناهيك عن أنّ التستُّر خلف قناع الأبعاد الإنسانيّة لاستهداف سوريا بالصواريخ لم تُسفِر عن ظهور إجماعٍ حولها في أوساط البريطانيّين بعد، سواءٌ على المستويات السياسيّة أم على المستويات الشعبيّة، الأمر الذي يُتوقَّع أن يفتح باب التكهُّن حول مستقبل الحكومة الحاليّة على كافّة الاحتمالات.

وإذا كان كوربين قد بنى سؤاله على فحوى تقاريرَ لمنظّماتٍ إنسانيّةٍ تحدَّثت مؤخَّرًا عن قيام السعوديّة باستخدام القنابل الفوسفوريّة وغيرها من الذخائر المحظورة في اليمن، فإنّه شدَّد في الموازاة على أنّ الشروع في توجيه الضربات الصاروخيّة ضدَّ سوريا قبل ظهور نتائج تحقيقات خبراء منظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة حول هجوم دوما المزعوم يُعتبَر عملًا غيرَ قانونيٍّ، ولا سيّما أنّ رئيسة الوزراء اتّخذت قرارها بخصوص المشاركة في ما بات يُعرف بـ”الضربة الثلاثيّة” بناءً على مجرَّد فرضيّاتٍ تتعلَّق باحتمال تورُّط القوّات النظاميّة السوريّة في الهجوم المزعوم، مستخدِمةً من جديدٍ مصطلح “على الأرجح” الذي كانت قد استخدمته الشهر الماضي لدى توجيه الاتّهام لروسيا بالضلوع في تسميم العميل المزدوَج سيرغي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالزبوري، وخصوصًا عندما قالت البارحة ما حرفيّته: “لقد تمَّ فعلًا تسجيل استخدامٍ للأسلحة الكيميائيّة أربعَ مرّاتٍ في سوريا قبل قصف مدينة دوما، وأستنتج أنّ المسؤوليّة تقع على عاتق النظام (…) توصَّلنا إلى استنتاجٍ مفاده بأنّ هذه المرّة أيضًا نرجِّح أنّ المسؤوليّة تقع على عاتق النظام السوريّ (…) وممارسة سلوكه تشير إلى أنّه من المحتمل جدًّا أنّه يستخدم الأسلحة الكيميائيّة وسيواصل القيام بذلك”.

لا شكّ في أنّ هذا الكلام إنْ دلّ إلى شيءٍ، فهو يدلّ إلى مدى التردُّد الذي يبدو جليًّا للعيان في مفردات الخطاب الرسميّ البريطانيّ، تمامًا مثلما يبدو عليه الحال في الخطابيْن الأميركيّ والفرنسيّ أيضًا، وخصوصًا إذا أضفنا إلى ما تقدَّم أنّه بينما كان الرئيس دونالد ترامب يدافع عن سمعة صواريخه “الذكيّة”، مشكِّكًا في صحّة المعلومات التي أفصحت عنها وزارة الدفاع الروسيّة حول عدد الصواريخ التي تمكَّنت الدفاعات الجوّيّة السوريّة من إسقاطها فجر السبت الماضي، والبالغ واحدًا وسبعينَ صاروخًا، ومؤكِّدًا على أنّ كافّة تلك الصواريخ أصابت أهدافها بدقّةٍ متناهيةٍ، ومجدِّدًا الإعلان عن اعتزامه العمل على سحب الجنود الأميركيّين من سوريا في أسرعِ وقتٍ ممكنٍ، فقد كان الرئيس إيمانويل ماكرون يتراجع عن تصريحاته السابقة التي قال فيها إنّه أقنع سيّد البيت الأبيض بالعدول عن فكرة الانسحاب العسكريّ واختزال الضربات الجوّيّة في إطار استهداف مواقع الأسلحة الكيميائيّة فقط، موضحًا أنّ ما قصده هو عدم صوابيّة الانسحاب قبل إتمام المهمّة كاملةً في مجال القضاء على تنظيم “داعش”.

هذا التردُّد الذي يكاد يصل إلى حدِّ التخبُّط، سرعان ما أعاد إلى الأذهان تفاصيل الحوار الذي دار أثناء لقاء الرئيس ترامب الأخير مع وليّ العهد السعوديّ، وخصوصًا عندما أبلغه بما مؤدّاه أنّ المملكة إذا لم تكن راغبةً في سحب الجنود الأميركيّين من سوريا، فعليها أن تقوم بتغطية نفقات بقائهم هناك، الأمر الذي لم يكن مستغربًا على الإطلاق في سلوكيّات رئيسِ دولةٍ جاء في الأصل إلى البيت الأبيض من عالم المال والأعمال والصفقات والعقارات.

ولعلّ أكثر ما يعزِّز هذا الاعتقاد، يتمثّل في أن ملفّ الوجود العسكريّ الأميركيّ في سوريا دخل لتوِّه اليوم الثلاثاء في “بازارٍ ترامبيٍّ جديدٍ”، ولا سيّما بعدما كُشِف النقاب عن اقتراحٍ مثيرٍ للارتياب والدهشة في آنٍ معًا، ومفاده أن يُصار إلى سحب الجنود الأميركيّين لتحلّ مكانهم قوّاتٌ عربيّةٌ تُشارك فيها كلٌ من السعوديّة والإمارات وقطر.. وحسبي أنّ أغرب ما في هذا الاقتراح هو أنّه لم يأخذ في الحسبان أنّ ثمّة أزمةً داخليّةً خليجيّةً ما زالت تتفاعل على مقياس الخطورة يومًا بعدَ يومٍ، بما يجعل التوافق بين أبناء الأسرة الواحدة على رؤيةٍ مشتركةٍ صعبًا للغاية في هذه الأيّام.. وحسبي أنّ الوجه الآخر لضربة الثلاثيّة الأخيرة على سوريا، سيكشف عاجلًا أم آجلًا أنّ العيب في سلوكيّات الرئيس الأشقر ليس خُلُقيًّا، حسب ما يُشاع بين الحين والآخَر، وإنّما أخلاقيٌّ بامتيازٍ، وأنّ هذا العيب أوشك على أن يتحوَّل إلى عدوى تُصيب الحليفيْن البريطانيّ والفرنسيّ على الضفّة الأخرى من المحيط الأطلسيّ، بحيث يُصبح الأداء السياسيّ رهنًا بالدولارات وليس بالإنجازات.. والخير دائمًا من وراء القصد.

جمال دملج- خاص “لبنان 24”

 



from تحقيقات – ملفات – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2EVpiry
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل